التدريب تلك المهنة العظيمة ليست بوليدة الفكرة، بل هي منذ بداية إنطلاق البشرية إلى يومنا الحاضر، فكم يحتاج الإنسان إلى أن ينمي مهاراته بمجالات مختلفة، ويزداد شغفه في تعلم المزيد، واستغلال جوارحه في تنمية مهاراته والاستزادة من العلم النافع، وقد ذكر الله عز وجل في الآية الكريمة: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} صدق الله العظيم.
أيها الاحبة لقد ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الانتشار الواسع في مراكز التدريب والتنمية البشرية، حيث أن معظمها أصبحت تمنح ألقاب ودرجات علمية بمسميات مختلفة (مدرب تنمية بشرية، ودكتوراه تنمية بشرية، ودبلومات، ومستشار تنمية بشرية، ..إلخ) وغيرها من المسميات التي أصبحنا نسمع بها، مما شكل حالة من النشاط المقتحم دون النظر إلى خصوصية مهنة التدريب، وشروطها وأولوياتها، ودون النظر إلى احتياجات التدريب، وجودة ونوعية التدريب، أو حتى مؤهلات القائمين على العملية التدريبية ومن يقدم البرنامج التدريبي. الحصول على لقب مدرب ليس بالأمر السهل، حيث من الضروري أن تخضع لمعايير منهجية وعلمية قائم على وضع خطة زمنية واضحة مدعمة بالمعلومات الدقيقة والموثقة، والعمل على تقييمها تقييما علميا حسب طبيعة ونوعية البرامج التدريبي؛ وذلك للاعتراف بهذا اللقب.
وقد غاب الكثير عن هذه المهنة الكثير من الأمور الهامة والتي تُسهم في وضع الإطار العام ذي الجودة العالية، بل وغياب رسالة التدريب، وعدم الالتزام بالميثاق الأخلاقي للتدريب، فأصبحت النظرة لها نظرة مادية بحتة، مع غياب الرقابة على من يحمل شهادات مزورة لا تمت لهذه المهنة بصلة.
أصبحنا اليوم نرى من يدخل عالم التدريب كما من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ونرى من يحاضر ويعطي بلا مبالاة بمؤهلات وشهادات مزورة، ومعلومات غير دقيقة وغير موثقة، وأصبحت البرامج التدريبية برامج مكررة لا تسمن ولا تغني من جوع، فأصبحت بعض مراكز التدريب دكاكين لبيع وشراء الشهادات للأسف الشديد. أحبتي الكرام إذا ما نظرنا إلى التدريب والتنمية البشرية من زاوية علمية مؤطرة بالجودة العالية، فإنه يجب على من يحمل لقب مدرب تنمية بشرية أن يكون إنسان قدوة ومؤثر يحمل رسالة سامية، فالتنمية البشرية هي تنمية العقول، فالله عز وجل قد ميز البشر بالعقل، فيأتي التدريب ليغير ويؤثر في طريقة تفكير الإنسان، ويكسبه المهارات اللازمة في شتى مجالات الحياة، ولذا واجب علينا حماية هذه المهنة من عبث العابثين، والذين يريدون تشويهها بشتى الطرق غير القانونية والشرعية، حيث اتخذت هذه المهنة "مهنة من لا مهنة له"، ومن أراد الدخول في هذا المجال أن يكون مؤهلا علميا وأكاديميا، ومتخصص، وذي خبرة بهذا المجال؛ حتى يحقق أهداف التدريب وفق منظومة الاحتياجات التدريبية، وأن يكون ذي أثر إيجابي في المجتمع.
والله ولي التوفيق.